تقديم: من الدلالات إلى الإشكالية
- الدلالات:
- الدلالة المشتركة
</LI>
الغير هو الآخر.
الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام.
الغير هو المختلف عن الأنا، إما:
- في الوجود - الحسي، مثال: الأسود/الأبيض
- النفسي، مثال:عصبي/هادئ
- في الملكية - المادية، مثال: غني/فقير
- المعنوية، مثال: عالم/جاهل
- في الأفعال: - السلوكية، مثال: الكريم/البخيل
- الإبداعية، مثال: رسام/شاعر
- في القرابة - الغير هو الذي لا يشاطر الأنا في الانتماء إما الطبقي أو الوطني أو الديني...
\ الغير نسبي ومتحول وغير ثابت:
الدلالة المعجمية
معجم لسان العربي لابن منظور:
· جاء في هذا المعجم ما يلي:
"غير حرف من حروف المعاني، تكون نعتا، وبمعنى لا ... وقيل غير بمعنى سوى، والجمع أغيار. وهي كلمة يوصف بها ويستثنى ... وتغير الشيء عن حاله تحول ... والغير الاسم من التغير... وتغايرت الأشياء اختلفت".
· كما جاء فيه ما يلي:
"الآخر بمعنى غير كقولك رجل آخر وثوب آخر".
الغير - المستثنى
- المتغير/المتحول
- المخالف/المعارض
- المختلف/المتميز
- نلاحظ أيضا أنه ليس هناك تمييز بين الغير والآخر، فهما يطلقان على المختلف بوجه عام سواء كان من الناس أو من باقي الأشياء.
معجم روبير:
· جاء فيه مايلي:
"الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام"
"الآخر هو من ليس نفس الشخص، وما ليس نفس الشيء... والمتميز... والمختلف".
à الغير يطلق فقط على الآخر من الناس، وهذا يعني أن الغير هو ذات تتمتع بنفس مقومات الأنا، وهي أساسا: الوعي والحرية والكرامة والمسؤولية.
الغير= أنا آخر
الآخر هو المختلف بوجه عام سواء كان الناس أو من الأشياء.
الدلالة الفلسفية
· معجم أندري لالاند A. Lalande
"الغير هو آخر الأنا، منظور إليه ليس بوصفه موضوعا، بل بوصفه أنا آخر"
· ج بول سارترJ.P. Sartre
"الغير هو الأخر، الأنا الذي ليس أنا"
الغير مخالف للأنا ومشابه له في نفس الوقت
- الغير: هو الآخر البشري
- الآخر: هو الآخر البشري وغير البشري. :
طرح الإشكالية
هل وجود الغير ضروري بالنسبة لوجود الأنا ووعيه بذاته أم أنه مجرد وجود جائز ومحتمل؟
هل معرفة الغير ممكنة؟ وما السبيل إلى تحقيق تلك المعرفة؟
ماهي طبيعة العلاقة التي يمكن أن تتم بيني وبين الغير؟
حينما نتحدث عن وجود الغير فإن الأمر لايتعلق بوجوده كجسم أي كعضوية حية قابلة للإدراك الحسي، بل إن الأمر يتعلق هنا بوجوده كذات واعية، حرة ومسؤولة.ومن هنا يمكن التساؤل عن علاقة وجود الغير بوجود الأنا، والتي يمكن التعبير عنها كما يلي: هل وجود الغير كذات ضروري لوجود الأنا؟ وهل يمكن للأنا أن يعي ذاته ويحقق وجوده ككيان بشري في غياب وجود الغير؟
الغير في الفلسفة اليونانية
هناك غياب لإشكالية الغير في الفلسفة اليونانية، ويمكن أن نرجع هذا الغياب لثلاثة أسباب رئيسية:
- الإطار الذي كان سائدا في الفلسفة اليونانية هو الإطار الفكري الأنطلوجي الذي كان يهتم بمقولة الوجود عامة، والمقولات الخاصة المندرجة تحتها كالصيرورة والثبات، الوحدة والكثرة، الهوية والاختلاف...وهكذا فكل موجود كيفما كان نوعه هو مطابق لذاته(هو هو Le même ) وآخر بالنسبة إلى غيره.
- وعلى هذا الأساس فمقولة الآخر تشمل جميع الموجودات المغايرة من وجهة نظرموجود ما دون تمييز الأخر البشري بمقولة خاصة.
- تم تغييب العلاقة بين إنسان وآخر، أي بين الأنا والغير، لصالح العلاقة بين الذات والعالم، هذا العالم الذي ينظر إليه باعتباره تجسيدا للعقل الموضوعي(اللوغوس) الذي يتعين معرفته والتشبه به.
- لم يعتبر اليونانيون الآخر الذي ينتمي إلى الحضارات الأخرى كأنا أو ذات تتمتع هي الأخرى بصفة الوعي والحرية، ولها نفس الحقوق السياسية والاجتماعية، بل اعتبر الآخر دائما بربريا وهمجيا ودون مرتبة ومستوى الأنا اليوناني.
لهذه الأسباب الثلاث الرئيسية لم تحض إشكالية الغير باهتمام التفكير الفلسفي اليوناني
الغير في فلسفة ديكارت
مع ديكارت سيتبلور بوضوح مفهوم الشخص باعتباره مركز العالم انطلاقا من كونه ذاتا مفكرة يتعين عليها أن تؤسس الحقيقة انطلاقا من نفسها. ومعلوم أن ديكارت وقبل أن يتوصل إلى أية حقيقة، فهو قد بدأ في الشك في كل شيء بما في ذلك وجوده ليتوصل إلى أن هناك حقيقة أولية بسيطة لايطالها الشك وهي "أنه يشك" أي يفكر، وبالتالي فهو يقينا يوجد كذات أو كجوهر مفكر، أما كيف يتم إدراك الذات، فإن ديكارت يجيب أن هذا الإدراك يتم عن طريق حدس عقلي مباشر.
إن تأسيس وجود الذات على أساس فعل الوعي الذي هو فعل داخلي ومكتف بذاته يجعل الأنا سجينة عالمها الداخلي، كما يجعلها غير قادرة على إثبات وجود الغير كأنا آخر إلا عن طريق الاستدلال بالمماثلة، أي طريق الافتراض بأنه ذات مثله مثل الأنا انطلاقا من الصفات والخصائص الخارجية التي تتشابه بينهما. وهذا ما يبدو من هذا النص الشهير لديكارت: "أنظر من النافدة فأشاهد بالمصادفة رجالا يسيرون في الشارع، فلا يفوتني أن أقول إني أرى رجالا يعينهم، مع أنه لا أرى من النافذة غير قبعات ومعاطف قد تكون غطاء لآلات صناعية تحركها لوالب، لكني أحكم بأنهم ناس"
ما يمكن ملاحظته هنا هو أن إثبات وجود الغير يتم عن طريق الحكم العقلي الاستدلالي، وهو حكم افتراضي لا يرتقي إلى مستوى الحدس العقلي واليقيني الذي يتم به إثبات وجود الأنا.
وهكذا فالنتيجة المنطقية لفلسفة الذات عند ديكارت هو وقوع الأنا في نوع من العزلة والوحدانية التي تجعله ينكفئ على ذاته، ويعيها، ويثبت وجودها إثباتا حدسيا، يقينيا ومباشرا دون أية حاجة إلى وجود الغير.
فوجود الغير في فلسفة ديكارت، هو وجود غير ضروري بالنسبة لوجود الأنا ووعيه بذاته، إنه مجرد وجود افتراضي قابل للشك، محتمل وجائز.
لكن هل صحيح أن إثبات وجود الذات والوعي بها لا يتم إلا عن طريق الانعزال عن الغير؟ ألا يمكن اعتبار الغير ضروري من أجل تحقيق الوعي بالذات؟
ذلك ما سنحاول التعرف عليه من خلال فلسفة هيجل.
الغير في فلسفة هيجل
· نص ص155. " جدل الأنا والآخر"
إشكال النص: كيف تتم عملية إثبات الأنا لذاته؟ وهل يمكن لهذا الإثبات للذات أن يتم في غياب أية علاقة بالآخر؟
مراحل الإجابة عن الإشكال:
- الفقرة الأولى: انعزال الوعي وانغماسه في البعد الطبيعي
خصائص الوعي في مرحلته الأولى:
- وجود بسيط
- إقصاء الوعي للآخر
- الوعي هو أنا مطابق لذاته
- الوعي يعيش وجودا فرديا مباشرا
- الوعي يعتبر الغير مجرد موضوع ويفرغه من مقومات الذات، الوعي، الإرادة، الحرية والكرامة...
- الوعي يعيش وجودا منعزلا ومستقلا عن الوعي الآخر.
- الوعي غارق في الطبيعة ومنغمس في الحياة العضوية.
- الوعي هنا في لحظته الأولى متيقن من وجود ذاته وليس متيقنا من وجود الغير
- الوعي في هذه المرحلة لم يرتق بعد إلى مستوى الوعي بحقيقته كذات تتمتع بالإرادة والحرية.
· كيف يمكن للوعي إذن، أن يرقى إلى مستوى تحقيقه لذاته واكتسابه لحقيقته كإرادة وحرية؟
- الفقرة الثانية:
من أجل أن يحقق الوعي ذاته سيكون مجبرا على خوض صراع مع الآخر.
والهدف من هذا الصراع هو إثبات الذات والحفاظ على حريتها، وذلك من خلال نزع الاعتراف بالذات من طرف الآخر. إلا أن نزع الاعتراف هذا لايتم بسهولة ما دام ان كلا الوعيين يخاطر بحياته ويسعى إلى موت الآخر.
ولكن مع ذلك فهذا الصراع لا ينتهي بالموت الفعلي، بل ينتهي بوجود منتصر ومنهزم: الأول هو وعي من أجل ذاته، والثاني هو وعي من أجل وعي آخر؛ أحدهما سيد والآخر عبد.
وعلاقة السيد بالعبد، حسب هيجل، هي أول علاقة اجتماعية نشأت عن صراع بين طرفين انتهى بإبقاء المنتصر على حياة المنهزم لكي يجعل منه عبدا، أي "وعي تابع تقوم ماهيته في الحياة والوجود من أجل الآخر"
ما يمكن أن نستنتجه في الأخير هو أن وجود الغير عند هيجل هو وجود ضروري من أجل وجود الأنا ووعيه بذاته، فالغير هنا هو بمثابة المرآة البشرية التي يتعرف من خلالها الأنا على ذاته وعلى مقوماته كذات إنسانية. ونفس الموقف جسده فيما بعد الفيلسوف الفرنسي المعاصر جان بول سارتر في قوله: "الغير هو الوسيط الضروري بين الأنا وذاته"
معرفة الغير
· الإشكال:هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟
وما السبيل إلى تحقيق تلك المعرفة؟
معرفة الغير بين الإمكان والاستحالة.
أطروحة سارتر استحالة معرفة الغير
- واعتمادا على حجة "تحليل لغوية" تتمثل في تأويل وتفسير كلمة "ليس"، يستنتج سارتر أن هناك عدم وانفصال وتباعد بين الأنا والغير، وهو ما يجعل معرفة بعضهما للبعض غير ممكنة.
- إن إدراك الأنا للغير هو إدراك إمبريقي، أي إدراك يقف عند مستوى الجسم وما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، وهو ما يحول دون النفوذ إلى أعماق ذاته وتحصيل معرفة بها.
- واعتمادا على "الحجة بالمماثلة" المتمثلة في تشبيه العلاقة بين الأنا والغير بالعلاقة المكانية الموجودة بين شيئين، ينتهي سارتر إلى أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تشييئية ما دام أن كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء، لا تربطه به أية صلة.
Éهكذا ينتهي سارتر إلى استنتاج أساسي هو أن العلاقة بين الأنا والغير هي في أساسها علاقة خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل بينهما ما دام يعامل بعضهما البعض كشيء وليس كأنا آخر.
وفي آخر النص ينتهي سارتر إلى نتيجة اعتبرها ووصفها بأنها خطيرة، وهي: إذا كانت علاقتي بالغير هي علاقة عدمية، خارجية، انفصالية وتشيئيية، فإن حضور الغير أو غيابه لا يؤثر في وجودي.
كما يشير سارتر في الأخير إلى أن الأنا لايدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، وهذا يعني أن نظرة الأنا للغير هي نظرة اختزالية وإسقاطية، فضلا على أنها نظرة سطحية ترتكز على"كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية"، ولا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه والتعاطف معه.
وفي نص آخر يقدم سارتر مثال النظرةLe regard : حينما يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وتلقائية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا آخر يراقبه وينظر إليه، حتى تتجمد حركاته وأفعاله، وتفقد حريتها وعفويتها وتلقائيتها، ولعل هذا ما دفع سارتر إلى القول: "الجحيم هم الآخرون
أطروحة ميرلوبنتي: إمكانية معرفة الغي
المقطع الحجاجي | الأفعال الحجاجية | الروابط المنطقية أو المؤشرات اللغوية الدالة عليه | محتوى المقطع |
من بداية النص إلى ... نؤكدهما معا. | أسلوب العرض أسلوب الاعتراض الحجة بالضد | يقال إن ... غير أننا.... نختار أحدهما ضد الآخر | إذا كان لا بد من الاختيار بين الأنا والغير، فإن الاختيار يؤكدهما معا، ما دام أنه لا يمكن الحديث عن عملية الاختيار بصدد فرد واحد، فهي تستلزم فردين اثنين على الأقل(بأضدادها تتميز الأشياء). |
المقطع الثاني:
المقطع الحجاجي | الأفعال الحجاجية | الروابط المنطقية/اللغوية الدالة عليه | محتوى المقطع |
من: ويقال أيضا...إلى ...نمط من التواصل. | أسلوب العرض أسلوب الاعتراض أسلوب الاستثناء الحجة بالمثال | يقال إن ...مرتان( والواقع أن ...(مرتان) غير أن... وإلا إذا ... (3مرات) إلا لكونها... مثال: الحشرة مثال: نظرة الشخص المجهول | يحلل مبرلوبنتي النظرة التشييئية بين الأنا والغير، والتي ترتكز على مايلي: النظر إلى الغير كموضوع نظرة قائمة على النفي والانسحاب والتقوقع حول الذات. نظرة لا إنسانية تعامل الغير كحشرة. لذلك هي نظرة استثنائية، قائمة على فعل إرادي وقصدي يفهم منه أن التواصل ممكنا ولكننا نمتنع عنه بإرادتنا. |
المقطع الثالث:
المقطع الحجاجي | الأفعال الحجاجية | الروابط المنطقية/اللغوية الدالة عليه | محتوى المقطع |
من: إن الحرية... إلى ... لا يعدمه. | الأسلوب الاستقرائي(الانطلاق من الأجزاء نحو نتيجة كلية).
أسلوب الاعتراض | إن الحرية....(1) والطبيعة...(2) والأعماق...(3) والوجود ...(4) النتيجة= تعليق التواصل
لكن... | إن تجاوز الأنا لحريته المشروعة، وتقوقعه حول ذاته المفكرة، واستباحته لأعماق الغير، والتعامل معه كوجود خالي من أية صفة إنسانية يؤدي حتما إلى الحيلولة دون علاقة المودة والعطف بينه وبين الغير، لكن هذا الأمر يؤدي إلى تعليق التواصل دون أن يعدمه. وهذا دليل على إمكانية التواصل مع الغير ومعرفته. |
المقطع الرابع:
المقطع الحجاجي | الأفعال الحجاجية | الروابط المنطقية/اللغوية الدالة عليه | محتوى المقطع |
من:إذا ما ربطتني... إلى آخر النص.. | الأسلوب الشرطي أسلوب الاعتراض أسلوب الاستثناء | إذا ما ... فإنني
لكن...
إلا حين... | إذا لم ينطق الغير بأية كلمة، فإن معرفته ستكون غير ممكنة، وسأعتقد أنه يعيش في عالم آخر مغاير لعالمي. الاعتراض على الحالة السابقة وافتراض حالة أخرى لا يبقى فيها الغير صامتا بل ينطق ببعض الكلمات، في هذه الحالة يكن التواصل ممكنا ولا يبقى عالم الغير قلعة مستعصية عن الاقتحام. استحالة معرفة الغير والتواصل معه هي حالة استثنائية فقط، تحدث في حالة العطالة والانغلاق الكلي على الذات. |
\ والنتيجة الأخيرة التي يفضي إليها النص هي القول بإمكانية التواصل مع الغير عن طريق الاعتراف به كأنا آخر، والعمل على تجاوز المعوقات والحواجز التي تحول بينه وبين الأنا.
سبل معرفة الغير:
إذا كنا قد انتهينا مع ميرلوبنتي إلى أن معرفة الغير ممكنة عن طريق التعاطف معه والاعتراف به كأنا آخر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن النفوذ إلى أعماق الغير وتحقيق معرفة به باعتباره ذاتا تحمل أفكارا ومشاعرا؟
من بين السبل المقترحة لتحقيق معرفة بالغير هناك ما يسمى الاستدلال بالمماثلةRaisonnement par analogie الذي يحقق معرفة غير مباشرة تقوم التعبيرات الجسدية الخارجية فيها بدور الوساطة بين الأنا ومعرفته بالغير. إن هذه المعرفة افتراضية لأنها تقوم على افتراض أن لكل حالة نفسية أو فكرية ما يقابلها من تعبيرات جسدية. كما أنها معرفة تثير مجموعة من الصعوبات يمكن تحديد أهمها كما يلي:
- إن الغير قد يمارس عملية الإخفاء للتستر عن مشاعره وأفكاره، فيبدي من الإيحاءات الجسدية ما يخالف مشاعره الباطنية.
- إن الغير قد يسئ التعبير بأن تصدر عنه، عن طريق الخطأ، تعابير جسدية مخالفة لما يحس به على مستوى الداخل.
- ومن أهم الصعوبات التي تعترض منهج الاستدلال بالمماثلة هو ما اكتشفه التحليل النفسي الفرويدي، من وجود أجزاء كبيرة في الجهاز النفسي يمثلها اللاشعور حيث أن الفرد نفسه لا يعرفها تماما، فكيف به إذن أن يعبر عنها عن طريق الإيحاءات والإشارات الجسدية؟
وأمام هذه الصعوبات لا بد من اقتراح سبيل آخر لمعرفة الغير، ومن بين السبل المقترحة هنا هناك المعرفة المباشرة الكلية التي يقترحها ماكس شيلرMax Scheller حيث يتجاوز النظرة الفلسفية التقليدية للإنسان القائمة على ثنائية النفس والجسد، الذات والموضوع، الظاهر والباطن...، ويذهب إلى اعتبار الغير كليةTotalité ، أي كلا موحدا لا يقبل التجزئة والانقسام، إن حقيقة الغير تبدو مجسدة فيه كما يبدو ويتجلى للأنا، حركات التعبير الجسدية لديه حاملة لمعناها ودلالاتها مباشرة كما تظهر، الباطن يتجلى عبر الظاهر ولا انفصال بينهما.
\ إن اختلاف أساليب الغير ترجع إلى اختلاف طبيعة هذا الغير ذاته، ذلك أن الكيفية التي أدرك بها الصديق ليست هي الكيفية التي أدرك بها الغريب.
- نموذجان للعلاقة بالغير: الصداقة والغرابة
- الغير كصديق:
يمكن اعتبار الصداقة من العلاقات الإيجابية التي تربطنا بالغير حيث يمكن أن تسمو بالأفراد إلى علاقات من الود تصل إلى التآخي والتضحية والإيثار. فما هو أساس الصداقة؟ وما الدافع إليها؟ هل هو دافع المنفعة أم دافع الفضيلة؟
يرى أفلاطون أن الصداقة هي علاقة محبة لا يمكنها أن توجد بين الشبيه وشبيهه، ولا بين الضد وضده. فالطيب لا يكون صديقا للطيب، كما أن الخبيث لا يكون صديقا للخبيث، كما لا يكو الخبيث صديقا للطيب، ولا الطيب صديقا للخبيث. فلكي تكون هناك صداقة بين الأنا والغير لا بد أن تكون الذات في حالة من النقص النسبي الذي يجعلها تسعى إلى تحقيق الكمال مع من هو أفضل، ولو هيمن الشر على الذات، فإنها ستكون في حالة نقص مطلق لا تستطيع معه أن تسمو إلى الخير، ولو كانت الذات في حالة خير مطلق لعاشت نوعا من الاكتفاء الذاتي، فالدافع إلى الصداقة هو الرغبة في تحقيق سمو الذات وكمالها من خلال الغير.
وهكذا فالصداقة، عند أفلاطون، تنشأ بين ما ليس طيبا تماما ولا خبيثا تماما من جهة، وبين الطيب من جهة أخرى، فهي تتأسس على نوع من الشعور بالنقص، وتعبر عن نزوع الأنا إلى الكمال من خلال حاجته الماسة إلى الدخول في علاقة مع الغير.
أرسطو:
· نص ص161-162: "الصداقة فضيلة"
إشكال النص:
ما هي الصداقة؟ ما هي أهم أنواعها؟ ما هي الصداقة الحقة؟ هل الصداقة ضرورية في الحياة؟
الإجابة عن الإشكال:
- الصداقة فضيلة( رذيلة)، أي أنها نوع من أنواع الفضائل أو الصفات الخيرة، وهو ما يجعلها مرغوبة في ذاتها.
- يرى أرسطو أن الصداقة ضرورية في الحياة، إذ لا أحد من الناس يرغب في العيش بدون صداقة حتى ولو كان ينعم بجميع الخيرات.
- الأغنياء في نظر أرسطو يحتاجون إلى الأصدقاء من أجل إسداء الخيرات لهم، هذا الفعل الذي يجلب لهم المدح والثناء فيجعلهم يحسون بكيانهم وقيمة مكانتهم الاجتماعية.
- الفقراء يحتاجون أيضا إلى الصداقة، إذ تعتبر ملاذا يلجأون إليه من أجل التخفيف من نوائب الحياة ومشاكل العيش.
- الصديقان كائنان يسيران متحدين، أي أن الصداقة أخذ وعطاء متبادل.
- يرى أرسطو أنه بالصداقة نكون أقوى على التفكير والعمل.
- إن الصداقة، حسب أرسطو، هي تلك الرابطة التي تجمع بين الناس داخل المدينة، والمشرع يهتم بالصداقة أكثر من اهتمامه بالعدالة، ولو سادت الصداقة الحقة في المدينة لم احتاج أهلها إلى العدالة والقوانين أصلا.
- اعتبر أرسطو أن كثرة الأصدقاء هي من المزايا المشرفة، وأن الصديق الحق هو إنسان شريف ولا شك.
- لكن الصداقة على مستوى الواقع تطرح عدة صعوبات تجعلنا نتحدث، مع أرسطو، عن ثلاثة أنواع من الصداقة، صداقة المنفعة، صداقة المتعة وصداقة الفضيلة، ويرى أرسطو أن صداقتي المنفعة والمتعة هما صدقتان زائلتان ومتغيرتان، لذلك فالصداقة الحقة هي صداقة الفضيلة لأنها دائمة وثابتة، وتقوم على حب الخير لذاته أولا وللأصدقاء ثانيا، وقد تحضر المتعة والفائدة في الصداقة الحقة، صداقة الفضيلة، لكن كنتيجتين لا كغايتين.
- الغير كغريب
من هو الغريب على وجه الدقة؟
سنحاول أن نجيب على هذا السؤال من خلال نص لجو ليا كريستيفا:
· نص ص 165 "الغريب"
تميز كريستيفا في هذا النص بين معينين لمفهوم الغريب، المعنى الأول تستبعده وتعتبره سطحيا، والمعنى الثاني تتبناه وتعتبره عميقا ويعبر عن مفهوم الغريب على وجه الدقة، ويمكن التعبير عن ذلك من خلال الجدول التالي:
المعنى الأول للغريب | المعنى الثاني للغريب |
الغريب هو الدخيل/الأجنبي الذي يهدد أمن الجماعة، ويشكل مصدر قلق لها ومهدد لأمنها واستقرارها. الموقف الذي تتخذه الجماعة من الغريب في هذا المعنى الأول، هو موقف الإقصاء والتهميش والنبذ والحقد، باعتباره عدوا يجب القضاء عليه أو على الأقل الحذر منه. الغريب هنا خارجي ما دام أنه لا يشاطر أفراد الجماعة نفس الانتماء الوطني أو العرقي أو الديني. يتخذ الغريب هنا أيضا معنى حقوقيا، فيشير إلى الشخص الذي يقطن بلدا ما ولا يتمتع بحقوق المواطنة داخله | إن الغريب يسكننا على نحو غريب إذن فالغريب ليس خارجيا (أجنبيا) بل داخليا، يسكننا، إنه يوجد فينا. تتجلى الغرابة في كون الإنسان جاهل بذاته، وهويته غامضة بالنسبة إليه. تتجلى الغرابة أيضا في أشكال التصدع والانحلال والنسف الذي يطال النظم الثقافية والروابط الاجتماعية والقيم الأخلاقية مما يؤدي إلى شعور الفرد بالغرابة داخل بلده وبين أهله. يعتبر التمرد والرفض الذي يبديه الإنسان تجاه الروابط الاجتماعية والقيم السائدة داخل جماعته مظهرا من مظاهر الغرابة الحقيقية التي تريد أن تنبهنا إليها كريستيفا في هذا النص. إذا كان الغريب-حسب كريستيفا- يسكننا من الداخل، فيجب أن لا تكون علاقتنا به علاقة عداوة وصراع وإقصاء وعنف، بل يجب أن تكون علاقة وفاق وتسامح وتعايش سلمي. |
\هكذا يتبين مع كريستيفا أن المعنى الحقيقي للغريب هو المعنى الداخلي، الذي يكون معه الغريب قابعا فينا وموجودا داخل ذواتنا. وهذه الفكرة يؤكدها علم النفس الفرويدي من خلال مقولة اللاشعور التي يشير من خلالها فرويد-S. Freud - إلى أن هناك منطقة عميقة في الجهاز النفسي مجهولة حتى من طرف الشخص نفسه، مما يعني أن هناك غريبا لا شعوريا يسكننا من الداخل.
خاتمة:
إن ما يستفاد من المقاربة الفلسفية لمفهوم الغير، هو ضرورة القبول بالغير والاعتراف له بغيريته ومغايرته وحقه في الاختلاف، فالغير لا يعرف بشكل نهائي ولا يمكن اختزاله إلى الأنا. وهذا ما تعبر عنه أطروحة "الغيرية الجذرية" كما نجدها لدى غيوم وبودريار اللذان يريان أن الغير يضع في أساس الأنا مبدأ نقص وعدم كفاية، إذ يشعر بحاجته إلى الغير وإلى ضرورة التواصل معه. وهذا ما يلح عليه كلود ليفي ستراوس، من منظور أنثروبولوجي، حيث أكد على أن التطور الذي عرفته البشرية لم يكن ليحصل إلا في إطار التبادل الثقافي بين الحضارات.
لذلك فأكبر خطر يهدد حضارة من الحضارات بالانقراض أو على الأقل التخلف، هو أن توجد معزولة عن الحضارات الأخرى.