الجهات المشرفة على التعليم في تركيا
لمحة تاريخية :
دخلت البلاد التركية للإسلام ً بالاتصال الحضاري و الدعوة السلمية , و كانت بداية ذلك في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و كان الفضل الأكبر في نشر الإسلام بين الأتراك الوثنيين في عهد آل سامان، و الذين بسطوا سلطانهم على أواسط آسيا في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ، و لعب الأتراك أدواراً مهمة في التاريخ الإسلامي و خاصة منذ زمن الخليفة العباسي المعتصم ، و أقام الأتراك أكثر من دولة إسلامية منها الدولة السلجوقية ثمّ الخلافة العثمانية آخر خلافة إسلامية ، و التي انتهت بإعلان كمال أتاتورك في 29 أكتوبر سنة 1923 قيام الجمهورية التركية .
التعليم
العوامل المؤثرة في التعليم التركي
يتأثر أي نظام تعليمي بعدد من القوى و العوامل التي ساعدت على تشكيله و تطوّره ، و من أهم تلك العوامل في تركيا ما يلي:
أولا : ـ القوى الثقافية و الاجتماعية :
الدين :
كان الدين هو العنصر الفعّال في القيم و العادات و التقاليد و نظام التعليم حتى قيام الجمهورية على يد "كمال أتاتورك" سنة1923، الذي بدأ باعتماد العلمانية سبيلاً لتغيير الهوية الثقافية للشعب التركي ، علماً بأنّ بعض الباحثين يرجع جذور الحركة العلمانية في تركيا لعهود سبقت أتاتورك و بالتحديد مع محاولات التغيير التي قام بها عدد من السلاطين العثمانيين منذ القرن الثامن عشر .
عموماً فإنّ الدين الإسلامي دين غالبية السكان98.9% و غالبيتهم سنّة ، و هناك نسبة قليلة من العلويين ، و الأرمن و اليونانيين النصارى ، و اليهود . و واجهت النشاطات الدينية حربا قاسية من "أتاتورك" إذ عمل على علمنة المجتمع التركي ، فقام بإلغاء الأذان بالعربية، وقام بترجمة القرآن الكريم للغة التركية بالحروف اللاتينية ، كما ألغى الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية كالإرث ، بل إنه ألزم الأتراك بارتداء الملابس الغربية و منع الملابس ذات الصبغة الإسلامية ، و قام بنصب المشانق و أعدم كثيراً من العلماء و المعارضين له .
و عموماً فإنّ الهجوم القاسي على مظاهر التديّن خفّ بعد "أتاتورك" بسبب تغلغل الدين الإسلامي في نفوس أبناء الشعب التركي ، يقول "إدوارد مورتيمر" : إنّ مصطفى كمال أتاتورك بالرغم من كلّ الإجراءات التي اتخذها لتحديث و علمنة تركيا ، إلا أنه لم يستطع قتل الشعور الديني الجارف داخل قلوب و مشاعر غالبية الشعب التركي ، و إنّ شعوراً جارفاً و قويًّا للعودة إلى التقاليد و النظم الإسلامية قد نما بين مختلف طبقات الشعب التركي .
وإن استمرت الحكومات و من خلفها المؤسسة العسكرية في فرض العلمانية على الدولة و المجتمع - حتى أنّ الحكومة الحالية قامت على يدي حزب ذي توجّه إسلامي بزعامة "رجب طيب أردوغان" يقرّ بعلمانية الدولة والحكومة بسبب سلطة المؤسسة العسكرية ذات التوجّه المتعصب للعلمانية ، و التي ألغت نتائج انتخابات سابقة فاز فيها حزب الرفاه ذو التوجّه الإسلامي أيضاً بزعامة "نجم الدين أربكان" .
و كلّ ذلك أثّر على النظام التعليمي و صبغة بالصبغة اللادينية ، إلاّ أنّ ذلك بدأ بالتراجع بعد "أتاتورك" ، لدرجة أنّه أعيد تعليم الدين كمادة اختيارية ، ثمّ أصبحت الثقافة الدينية و الخلقية مادة إجبارية في التعليم العام لمدة ساعتين أسبوعيًّا .
اللغة :
حرصت الجمهورية التركية منذ إنشائها على بث الروح القومية التركية ، و نزع الصبغة الدينية الإسلامية العربية عن تركيا ، فقامت بتبني استخدام الحروف اللاتينية بدل العربية ، و صار القانون يعاقب من يخالف ذلك بالسجن و الغرامة ، و ترتب على ذلك ترجمة القرآن الكريم للغة التركية ، و تم الأذان للصلاة بالتركية 1932، كما صدر قانون يحمل الناس على الصلاة بالتركية ، لكن الأتراك رفضوا الامتثال لذلك ؛ لذا تراجعت الحكومة وقامت بترجمة تفسير القرآن للتركية و تراجعت عن إلزام الناس بالأذان و الصلاة بالتركية .
و هذه الروح القومية أثّرت على عدم العناية بتدريس اللغات الأجنبية بعد قيام الجمهورية ، إلا أنّ ذلك بدأ يتراجع و بدأ تدريس اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية يحتل مكانه في الخطط الدراسية و بعدها تأتي الفرنسية ، أما العربية فيتم تدريسها كلغة أجنبية في المعاهد و المدارس الدينية لتخريج الأئمة .
وعموماً فقد تتراجع تركيا بشكل أكبر عن محاولة فرض التركية على الأقليات التي تعيش فيها و خاصةً على الأقلية الكردية في ظل سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي ، ممّا قد ينعكس ذلك في المستقبل على وجود ثنائية لغوية في النظام التعليمي في المناطق الكردية.
ثانيا : ـ القوى السياسية:
قيام "أتاتورك" بثورته على الخلافة و إلغائها ، و فرض العلمانية على البلاد ، و تبني المؤسسة العسكرية لمبادئ أتاتورك بالقوة و إلزام جميع الحكومات بالأخذ بتلك المبادئ كلّ ذلك أثّر على النظام التعليمي وصبغة بالصبغة العلمانية ، مع وجوب الإشارة لتراجع ذلك قليلاً بسبب تغلغل الدين الإسلامي في نفوس الأتراك كما أسلفنا .
إلاّ أنّ البعض يتوقّع حدوث معاودة الاتجاه العلماني لقوته بعد دخول تركيا للسوق الأوربية والتزامها بإحداث تغييرات معينة تؤهلها للانضمام لتلك السوق ، منها على سبيل المثال : مطالبة تركيا بإلغاء التعليم الديني الإجباري و استجابة أيضاً لمطالبات بعض الأقليات في تركيا كالعلويين ، و عدم وضع خانة للدين في بطاقة الهوية الشخصية ، و أيضاً عدم اعتبار الزنى جريمة إذا تمّ بموافقة الطرفين .
ثالثا : ـ العوامل الجغرافية:
تقع معظم أراضي تركيا في قارة آسيا و جزء منها في أوروبا (تراقيا) و يفصل الجزأين مضيقا البسفور و الدردنيل ، و يشغل الجزء الآسيوي هضبة الأناضول التي تمتد على سواحل البحر الأسود من الشمال، و البحر المتوسط من الجنوب و الجنوب الغربي .
وهذا الموقع الفريد جعل تركيا معبراً ثقافيا بين أوروبا و آسيا يجمع بين الخصائص الثقافية للحضارة الغربية و الشرقية ، بالإضافة للأهمية السياسية و الاستراتيجية لهذا الموقع .
و توجد في تركيا و خاصة في الجزء الآسيوي العديد من الأنهار ، و من أشهرها منابع دجلة و الفرات، و تتدرج هضبة الأناضول حيث ترتفع من الشرق و تنخفض غرباً ، أما السهول فتشمل السهل الغربي (على بحر إيجة) و السهل الجنوبي حول أدنة و أناضوليا ، و هي من أخصب أراضي تركيا و تشتهر بالزراعة ، و يتفاوت مناخ تركيا بين مناخ الأبيض المتوسط في المناطق الساحلية الغربية و الجنوبية ، أما في باقي الأراضي الآسيوية فيتفاوت المناخ بين الشتاء القارس و الصيف الحار ، و بين مناطق غزيرة الأمطار و أخرى نادرة الأمطار .
و أثّر تفاوت التضاريس في الجزء الآسيوي على المواصلات ، مما جعل بعض المدن الصغيرة تعيش في عزلة بسبب و عورة تضاريسها و صعوبة شق سكك حديدية من خلالها .
وقد أثرت العوامل الجغرافية على نظامها التعليمي ، فالتشتّت الجغرافي للمناطق السكنية ووعورة التضاريس و صعوبة المواصلات و قسوة المناخ تسبب كثيراً من المشكلات التعليمية التي تتطلب من نظام التعليم مواجهتها كانتشار الأمية في المناطق النائية ذات التضاريس الصعبة ، و حاولت الحكومة مراعاة ذلك أيضاً في مدة العام الدراسي حيث أنّ العام الدراسي في الريف لا يقل عن 170 يوماً دراسياً بينما لا يقل عن 200 يوم في المدن .
رابعا : ـ القوى الاقتصادية
تعتبر تركيا دولة فقيرة في مجال التعدين ، حيث تساهم المعادن بنسبة بسيطة من الناتج القومي 3% ، و يغطي النفط التركي نسبة20% من حاجة البلاد فقط .
في مجال الزراعة توجد إمكانيات متنوّعة في ذلك ، بسبب تنوّع المناخ و التضاريس و وفرة المياه ، و مع ذلك فكثير من الأنشطة الزراعية تمارس بأساليب بدائية ، و اعتمدت تركيا أسلوب التوسّع الأفقي في سياستها الزراعية بالإضافة للعناية بأساليب الري و استخدام الأسمدة و الميكنة الزراعية ، مما أدى لزيادة الأراضي الزراعية ، و يُعتبر القطن المحصول الرئيس في تركيا يليه القمح فالفواكه فالخضار ، و يفيض الإنتاج الزراعي عن حاجة تركيا مما جعلها تقوم بتصديره للخارج .
الصناعة تمثّل القطاع السريع التوسّع و تقوم على صناعة الحديد و الصلب و الكيماويات و المنسوجات و الورق و النسيج و شهدت تركيا ازدهاراً صناعياً من 36-1960 إلا أنها عانت من أزمة حادة عام 1977بسبب نقص تحويلات العمال في أوروبا بسبب القيود التي وضعتها أوروبا على الهجرة ، و بسبب زيادة أسعار النفط ، و بسبب التركيز على الصناعة و إهمال الزراعة ؛ مما اضطر الدولة لتخفيض قيمة الليرة و زيادة الضرائب و زيادة أسعار منتجات المشروعات الحكومية مما أدى لارتفاع نسبة التضخم من 50% عام 1978 إلى 100% عام 1979، و بعد ذلك في 82-1983 اضطرت الحكومة لاتخاذ سياسة تقوم على تقليص تدخل الدولة في الاقتصاد ، و رفع القيود على الاستيراد ، و تبسيط إجراءات التصدير ، و تشجيع الاستثمار الأجنبي ، و اعتماد سياسة حرية السوق ، و رغم أنّ تركيا لم تستطع تحقيق كافة الأهداف المتوقعة إلا أنّ القطاع الصناعي و الزراعي حقّقا شيئا من النمو و الإنتاج و التصدير ؛ مما أدّى لانخفاض العجز في الموازنة . و من المتوقع أنّ دخول تركيا لعضوية السوق الأوروبي سوف يؤدي لانتعاش الاقتصاد التركي .
أما السياحة فتعتبر قطاع هام من قطاعات الاقتصاد التركي فقد بلغ عدد السياح الذين زاروا تركيا في الثمانية الأشهر الأولى فقط من عام 2004 (17) مليون سائح .
و بالتأكيد فإنّ هناك انعكاس لتلك الظروف الاقتصادية على التعليم ، مما أدّى على سبيل المثال لفرض رسوم على الطلاب بعد التعليم الإلزامي (الابتدائي و المتوسط) ، و أيضاً أدّت الأهمية الكبرى لقطاع السياحة إلى وضع معاهد خاصة للسياحة .
خامسا : ـ العوامل السكانية
تشهد تركيا تزايدا سكانيا كبيرا ، فقد تضاعف عدد سكانها منذ قيام الجمهورية 1923وحتى 2002 أكثر من خمس مرات ونصف ؛ بسبب انخفاض معدل الوفيات بسبب ارتفاع مستوى الرعاية الصحيّة ، فوصل عدد السكان لـــ70.3 مليون في عام 2002 نسمة ، و بمعدل نمو سنوي بلغ 2% حسب تقرير التنمية البشرية 2004 الصادر عن اليونسكو .
هذا وقد بلغ عدد السكان في الفئة العمرية 5-24سنة وفق تعداد 85 ما يقارب 46% من مجموع السكان أي 23124881 نسمة ، كما تشهد تركيا هجرة واسعة من الريف للمدن .
وكلّ ذلك يؤدي لزيادة العبء المتزايد على النظام التعليمي ؛ مما يؤدي لعجزه عن استيعاب جميع المواطنين في سن التعليم و حسب إحصاءات تقرير التنمية البشرية 2004 فإنّ نسبة غير الملمين بالقراءة و الكتابة لدى البالغين 15سنة فأكثر تبلغ 13.5% ، و بلغت نسبة صافي الالتحاق بالتعليم الابتدائي 88% في عام 2001 .
إدارة النظام التعليمي :
يُدار التعليم التركي وفقاً للنمط المركزي ، حيث تتولى وزارة التربية الوطنية و الشباب و الرياضة مسؤولية توجيه و رقابة الخدمات التعليمية وفقاً لقانون التعليم الوطني في جميع المستويات ، و تفوّض الوزارة جانباً من اختصاصاتها للمديريات العامة للتعليم بكلّ محافظة ، و التي يرأسها مدير التعليم .
أما التعليم العالي فيشرف عليه مجلس التعليم العالي ، و هو مجلس مستقل عن وزارة التعليم الوطني ، و يتمّ تعيين أعضائه من قِبل رئيس الجمهورية.
تمويل النظام التعليمي :
هناك عدة مصادر لتمويل التعليم التركي هي : الأموال المخصّصة للتعليم في الميزانية العامة للدولة و من الأموال المخصصة للتعليم في كلّ محافظة، و من الرسوم المفروضة على الطلاب بعد المرحلة التأسيسية ، و أخيراً من المعونات المالية التي يُقدمها الأفراد و الهيئات ،
فقد ساهمت على سبيل منظمة اليونسكو و صندوق التنمية الدولي في برامج تمويل تعليم الكبار و في مساعدة الجامعات ، و قد تلقت تركيا كثيراً من المنح الدراسية و الأجهزة و الأدوات التعليمية ، كذلك ساهمت ألمانيا في تمويل مشروع التلفزيون التعليمي ، و ساهمت فرنسا في تمويل تعليم الفرنسية ..
و بلغت نسبة ميزانية التعليم من ميزانية الدولة لعام 1984م ما يقارب 14,3% منها 10,62% للتعليم العام ، و 3,67% للتعليم العالي .
و في ميزانية 1988م استحوذت رواتب المعلمين على ما يقارب 85% من ميزانية التعليم ، و قد بلغت نسب قطاعات التعليم في 1988م ما يلي :
- 45,6% للتعليم الابتدائي .
-التعليم الثانوي العام 15,3% .
- التعليم الثانوي الفني 13,8% .
-التعليم العالي 25,3% .